فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم خص هذا الحق بالمتقين؟

وخص هذا الحق بالمتقين ترغيبًا في الرضى به؛ لأن ما كان من شأن المتقي فهو أمر نفيس فليس في الآية دليل على أن هذا الوجوب على المتقين دون غيرهم من العصاة، بل معناه أن هذا الحكم هو من التقوى وأن غيره معصية، وقال ابن عطية: خص المتقون بالذكر تشريفًا للرتبة ليتبارى الناس إليها. اهـ.

.سؤال: لم خص الوالدين والأقربين؟

وخص الوالدين والأقربين لأنهم مظنة النسيان من الموصي، لأنهم كانوا يورثون الأولاد أو يوصون لسادة القبيلة.

.سؤال: لم قدم الوالدين؟

وقدم الوالدين للدلالة على أنهما أرجح في التبدية بالوصية، وكانوا قد يوصون بإيثار بعض أولادهم على بعض أو يوصون بكيفية توزيع أموالهم على أولادهم، ومن أشهر الوصايا في ذلك وصية نزار بن معد بن عدنان إذ أوصى لابنه مضر بالحمراء، ولابنه ربيعة بالفرس، ولابنه أنمار بالحمار، ولابنه إياد بالخادم، وجعل القسمة في ذلك للأفعى الجُرهمي، وقد قيل إن العرب كانوا يوصون للأباعد طلبًا للفخر ويتركون الأقربين في الفقر وقد يكون ذلك لأجل العداوة والشنآن. اهـ.

.سؤال: من المراد في قوله تعالى: {والأقربين}؟

الجواب: اختلفوا في قوله: {والأقربين} من هم؟ فقال قائلون: هم الأولاد فعلى هذا أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأولاد وهو قول عبد الرحمن بن زيد عن أبيه.
والقول الثاني: وهو قول ابن عباس ومجاهد أن المراد من الأقربين من عدا الوالدين.
والقول الثالث: أنهم جميع القرابات من يرث منهم ومن لا يرث وهذا معنى قول من أوجب الوصية للقرابة، ثم رآها منسوخة.
والقول الرابع: هم من لا يرثون من الرجل من أقاربه، فأما الوارثون فهم خارجون عن اللفظ. اهـ.

.سؤال: فإن قيل كيف قال: {الوصية للوالدين والأقربين}عطف {الأقربين} على {الوالدين}، وهما أقرب الأقربين؛ والعطف يقتضى المغايرة؟

الجواب: الوالدان ليسا من الأقربين؛ لأن القريب من يدلى إلى غيره بواسطة كالأخ والعم ونحوهما.
والوالدان ليسا كذلك ولو كانا منهم، لكن خصا بالذكر؛ كقوله تعالى: {وملائكته وجبريل وميكال}. اهـ.

.موعظة:

اعلم أن الوصية مستحبة لحاجة الناس إليها فإن الإنسان مغرور بأمله أى يرجو الحياة مدة طويلة مقصر في عمله فإذا عرض له المرض وخاف الهلاك يحتاج إلى تدارك تقصيره بماله على وجه لو مات فيه يتحقق مقصده المآلى ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالى.
قال في تفسير الشيخ ومن كان عليه حج أو كفارة أى شيء من الواجبات فالوصية واجبة وإلا فهو بالخيار وعليه الفتوى ويوصى بإرضاء خصمائه وديونه.
حكى أن الإمام الشافعى رحمه الله لما مرض مرض موته قال: مروا فلانا يغسلني فلما مات بلغ خبر موته إليه فحضر وقال: ائتونى بتذكرته فأتى بها فنظر فيها فإذا على الشافعي سبعون ألف درهم دينا فكتبها على نفسه وقضاها وقال هذا غسلى إياه وإياه أراد. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرًا} قال: مالًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرًا} قال: الخير المال.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الخير في القرآن كله المال {إن ترك خيرًا}. {لحب الخير} [العاديات: 8]. {أحببت حب الخير} [ص: 32]. {إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33].
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرًا الوصية} قال: من لم يترك ستين دينارًا لم يترك خيرًا.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن عروة. أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت، وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال: ألا أوصي قال: لا إنما قال الله: {إن ترك خيرًا} وليس لك كثير مال، فدع مالك لورثتك.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة. أن رجلًا قال لها: إني أريد أن أوصي، قالت: كم ما لك...؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة. قالت: قال الله: {إن ترك خيرًا} وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال: إن ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال: الوصية على من ترك خيرًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال: جعل الله الوصية حقًا مما قل منه ومما كثر.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا ووصيته عنده قال ابن عمر: فما مرت عليّ ثلاث قط إلا ووصيتي عندي».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من ربكم، إلا أنه ليس لامرئ شيء إلا عرف أمرًا بخل بحق الله فيه، حتى إذا حضر الموت أخذ يوزّع ماله هاهنا وههنا» ثم يقول قتادة: ويلك يا ابن آدم اتق الله ولا تجمع إساءتين، مالك إساءة في الحياة وإساءة عند الموت، انظر إلى قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عبيد الله بن عبد الله بن معمر قاضي البصرة قال: من أوصى فسمى أعطينا من سمى، وإن قال: ضعها حيث أمر الله، أعطيناها قرابته.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال: من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن قال: إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ويرد على أقاربه ثلثي الثلث.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال: خطب ابن عباس فقرأ سورة البقرة، فبين ما فيها حتى مر على هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين} فقال: نسخت هذه الآية.
وأخرج أبو داود والنحاس معًا في الناسخ وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الوصية، {للوالدين والأقربين} قال: كان ولد الرجل يرثونه وللوالدين الوصية، فنسختها {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7] الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية الأقربين، فأنزل الله آية الميراث، فبين ميراث الوالدين، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.
وأخرج أبو داود في سننه وناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين} قال: فكانت الوصية لذلك حين نسختها آية الميراث.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: نسخ من يرث، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون.
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر. أنه سئل عن هذه الآية: {الوصية للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الميراث.
وأخرج ابن جرير عن قتادة عن شريح في الآية قال: كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آيات الميراث.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال: كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين، فهي منسوخة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: الخير المال، كان يقال ألف فما فوق ذلك، فأمر أن يوصي للوالدين وقرابته، ثم نسخ الوالدين وألحق لكل ذي ميراث نصيبه منها وليست لهم منه وصية، فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال: «إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث إلا أن تجيزه الورثة». اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {ولكن البر من آمن} جعل البر نفس من آمن على طريق المبالغة وهذا معهود في كلام البلغاء إذ تجدهم يقولون: السخاء حاتم، والشعر زهير أي أن السخاء سخاء.
حاتم، والشعر شعر زهير، وعلى هذا خرجه سيبويه حيث قال في كتابه: قال عز وجل: {ولكن البر من آمن} وإنما هو: ولكن البر بر من آمن بالله،. انتهى.
ونظير ذلك أن تقول: ليس الكرم أن تبذل درهمًا ولكن الكرم بذل الآلاف.
2- {وفي الرقاب} إيجاز بالحذف أي وفي فك الرقاب يعنى فداء الأسرى، وفي لفظ الرقاب مجاز مرسل حيث أطلق الرقبة وأراد به النفس وهو من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
3- {والصابرين في البأساء} الأصل أن يأتي مرفوعا لعطفها على المرفوع: {والموفون بعهدهم} وإنما نصب هنا على الاختصاص، أي وأخص بالذكر الصابرين، وهذا الأسلوب معروف بين البلغاء، فإذا ذكرت صفات للمدح أو الذم وخولف الإعراب في بعضها، فذلك تفنن، ويسمى قطعا لأن تغيير المألوف يدل على مزيد اهتمام بشأنه وتشويق لسماعه.
4- {أولئك الذين صدقوا} الجملة جاء الخبر فيها فعلا ماضيا صدقوا لإفادة التحقيق، وأن ذلك وقع منهم واستقر، وأتى بخبر الثانية في جملة اسمية {وأولئك هم المتقون} ليدل على الثبوت، وأنه ليس متجددًا بل صار كالسجية لهم، ومراعاة للفاضلة أيضا.
5- {حقا على المتقين} ذكر {المتقين} من باب الإلهاب والتهييج للتمسك بالتقوى.
6- الطباع بين {اتباع} و{أداء} وبين {الحر} و{العبد}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)}.
قال القُرطبيُّ في الكلام تقدير واو العطف، أي: {وَكُتِبَ عَلَيْكُمْ}، فلما طال الكلامُ، سقطَت الواو، ومثله في بعض الأَقوال: {لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى} [الليل: 15، 16]، أي: والذي تَوَلَّى فحذف.
قوله: {كُتِبَ} مبنيٌّ للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وهو الله تعالى وللاختصار.
وفي القائم مقام الفاعل ثلاثةُ أوجُه:
أحدها: أن يكون الوصيَّة، أي: كتِبَ عَلَيْكُمْ الوصِيَّة وجاز تذكير الفعل لوجهين:
أحدها: كونُ القائمِ مقامَ الفاعل مؤنَّثًا مجازيًا.
والثاني: الفصل بيْنه وبيْن مَرْفُوعه.
والثاني: أنَّهُ الإيصاءُ المدلُول عليه بقوله: {الوصية لِلْوَالِدَيْنِ} أي: كُتِبَ هو أي: الإيصاءُ، وكذلك ذكرُ الضَّمير في قوله: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} [البقرة: 181] وأيضًا: أنَّه ذكر الفِعلْ، وفصل بيْن الفِعل والوصيَّة؛ لأَنَّ الكلام، لمَّا طال، كان الفَاصِلُ بين المؤنَّث والفعْل، كالمعوَّض من تاءِ التَّأنيث، والعَرَبُ تَقُولُ: حَضَرَ القاضِيَ امرأَةٌ فيذكرون؛ لأنَّ القَاضِي فصَل بيْن الفعل وبيْن المرأة.
والثَّالِثُ: أنه الجارُّ والمجرُور، وهذا يتَّجِه على رأي الأخفش، والكوفيين، و{عَلَيْكُم} في محلِّ رفع على هذا القول، وفي محلِّ نَصبٍ على القولَين الأَوَّلين.
قوله تعالى: {إذَا حَضَر} العامل في {إِذَا} {كُتِبَ} على أَنَّها ظَرف مَحْض وليس متضمِّنًا للشَّرط، كَأَنَّهُ قيل: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ المَوْتِ ولا يجوز أنْ يكُون العامل فيه لفظ {الوَصيَّة}؛ لأنَّها مصدرٌ، ومعمولُ المصدر لا يتقدَّم عليه لانحلاله لموصولٍ وصلةٍ، إلاَّ على مَذِهب منَ يَرَى التَّوسُّع في الظَّرف وعديله، وهو أبو الحسن؛ فإنَّه لا يَمْنعُ ذلك، فيكُون التَّقْديِرُ: كُتِبَ عَلَيْكمْ أنْ توصوا وقت حضور الموت.
وقال ابنُ عطيَّة ويتَّجِه في إعراب هذه الآية الكريمة: أن يكون {كُتِبَ} هو العامِلَ في {إِذَا}، والمعنى: تَوَجَّه علَيْكم إيجابُ اللَّهِ، ومقتضى كتابِهِ، {إذا حَضَر} فعبّر عن توجُّه الإيجاب ب {كُتِبَ} لينتظم إلى هذا المعنى: أَنَّهُ مكتوبٌ في الأَزَلِ، و{الوَصِيَّة} مفعولٌ لم يسمَّ فاعلُه ب {كُتِبَ} وجواب الشَّرطين {إِنْ} و{إِذْا} مقدَّر يدلُّ عليه ما تَقَدَّم مِنْ قوله: {كُتِبَ}.
قال أبو حيان وفي هذا تناقض؛ لأنَّهُ جعل العَامِل في {إِذَا} {كُتِبَ}، وذلك يستلزمُ أن يكُون إذا ظرفًا محضًا غيرَ متضمِّن للشَّرطِ، وهذا يناقضُ قوله: وجواب إذا وإن محذوف؛ لأنَّ إذا الشَّرشطية لا يعملُ فيها إلاّ جوابُها، أو فعلُها الشرطيُّ، و{كُتِبَ}: ليْسَ أحدهُما، فإن قيل: قومٌ يُجِيزُون تقدِيم جوابِ الشَّرط، فيكُونُ {كُتِبَ} هو الجوابَ، ولكنَّهُ تَقَدَّم، وهو عاملٌ في {إِذَا} فيكون ابنُ عطيَّة يقُول بهذا القَوْل.
فالجواب: أَنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنَّه صرَّح بأَنَّ جوابها محذوفٌ مدلولٌ عليه ب {كُتِبَ}، ولم يجعل {كُتِبَ} هو الجوابَ، ويجوزُ أن يكُونَ العَامِلُ في {إِذَا} الإيصاءَ المفهوم مِنْ لفظ {الوَصِيَّة}، وهو القائمُ مقام الفاعِل في {كُتِب}؛ كما تقدَّم.
قال ابن عطيَّة في هذا الوجه: ويكُونُ هذا الإيصاءُ المُقدَّر الذي يَدُلُّ عليه ذكرُ الوصيَّة بعد هو العَاملَ في {إِذَا}، وترتفع {الوَصِيَّةُ} بالابتداء، وفيه جوابُ الشَّرطيْن؛ على نحو ما أنشَدَه سيبويه: البسيط:
مَنْ يَفْعَلِ الصَّالِحَاتِ اللَّهُ يَحْفَظُهُ

ويكونُ رفْعُها بالابتداءِ، أي: فعليه الوصيَّة؛ بتقدير الفَاءِ فقط؛ كأنَّهُ قال: فالوصِيَّةُ للوالدَيْنِ، وناقشه أَبو حيَّان مِنْ وجوه:
أحدها: أَنَّهُ متناقض من حيثُ إنَّهُ إذا جعل {إِذَا} معمولةً للإيصاء المُقدر، تمحَّضت للظَّرْفية، فكيف يُقَدَّر لها جوابٌ؛ كما تقدَّم تحريره.
والثاني: أنَّ هذا الإيصاءَ إما أن تقدِّر لفظه محذوفًا، أو تضمره، وعلى كلا التَّقديرين، فلا يعمل؛ لأَنَّ المصدر شرطُ إعماله ألاَّ يُحذَف، ولا يضمر عند البصريِّين، وأيضًا: فهو قائمٌ مقام الفاعل؛ فلا يحذف.
الثَّالث: قوله: جَوَابُ الشَّرْطيْنِ والشيء الواحد لا يكُون جوابًا لاثَنَين، بل جواب كلِّ واحدٍ مستقلٌّ بقدره.
الرابع: جعلهُ حذفَ الفاءِ جائزًا في القُرآن، وهذا نصُّ سيبويه على أَنَّهُ لا يجوزُ إلا ضرورةً، وأنشد: البسيط:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ** وَالشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ سِيّانِ

وإنشاده:
من يفعل الصالحات الله يحفظه

يجوز أَنْ يكون روايةً إلاَّ أنَّ سيبَويْه لم يُنْشِدْه كذا، بل كما تقدَّم، والمُبرِّد روى عنه: أنَّه لا يجيز حذف الفاء مطلقًا، لا في ضرورةٍ، ولا غيرها، ويرويه:
مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ، فالرَّحْمنُ يَشْكُرُهُ

وردَّ النَّاس عليه بأنَّ هذه ليست حجّةً على رواية سيبَويْهِ.
ويجوز أنَّ تكون {إِذَا} شرطيَّةً؛ فيكون جوابُها وجوابُ {إِنْ} محذوفَيْن، وتحقيقُه أَنَّ جوابَ {إِنْ} مقدرٌ، تقديرُه: كُتِبَ الوصيَّةُ على أحدِكُمْ إذا حضره الموتُ، إنْ ترك خَيْرًا، فَلْيُوصِ، فقوله: فَلْيُوصِ جواب ل {إِنْ}؛ حُذِفَ لدلالة الكلام عليه، ويكون هذا الجوابُ المقدَّر دالًا على جواب {إِذَا} فيكون المحذُوف دالًا على محذوف مثله.
وهذا أَوْلَى مِنْ قَوْل من يَقُولُ: إنَّ الشَّرط الثَّاني جواب الأَوَّل، وحُذِفَ جواب الثَّاني، وأولى أيضًا مِنْ تقدير مَنْ يقدِّره في معنى {كُتِبَ} ماضي المعنى، إلاَّ أن يؤوِّله بمعنَى: يتوجَّه علَيْكُمْ الكَتْبُ، إن تَرَكَ خَيْرًا.
قوله: {الوَصِيّة} فيه ثلاثةُ أوجُهٍ:
أحدها: أن يكُونَ مبتدأً، وخبره {لِلْوَالِدَيْنِ}.
والثاني: أنَّهُ مفعول {كُتِبَ}، وقد تقدَّم.
والثالث: أنَّهُ مبتدأٌ، خبره محذوف، أي: فعلَيْهِ الوصيَّةُ، وهذا عند مَنْ يجيزُ حذف فاء الجَوابِ، وهو الأخفشُ؛ وهو محجوجٌ بنقل سيبَوَيْهِ.